الانتحال في الشعر الجاهلي عند طه حسين

النحل أو الانتحال في الشعر ذكره القدماء قبل طه حسين بقرون كثيرة .
والوضع على النبي الكريم من الأقوال المكذوبة ما هو مشهور معروف .
وقد ورد في المصادر العربية منها " الشعر والشعراء " لابن قتيبة الدينوري
أن خلفا الأحمر كان يقول الشعر وينحله المتقدمين . وقد نحل ابن اخت تأبط
شرا القصيدة التي مطلعها :
إن بالشَّعب الذي جنب سلع لقتيلا دمه ما يُطل
وفي مصادر اخرى ورد ان الأحمر هذا كان قد نحل كثيرا من الأشعار ، وكذلك كان
يفعل حماد الراوية .
وفي السيرة النبوية لابن هشام فإنه يروي عن ابن اسحق الكثير من القصائد
المنحولة .
والكرامية أمرهم معروف في بذل الجهد في الكذب على النبي الكريم مدعين أنهم
لا يكذبون عليه إنما يكذبون لأجله .
إن ما ذكرته امر معروف للكثير من الناس إلا ان العبرة المستفادة من هذا
الأمر هي أنه سهل على الكثير من المستشرقين بل والباحثين العرب الشك في صحة
الشعر الجاهلي وغيره ، وفي صحة الأحاديث النبوية ، بل واكثر من ذلك ، في
صحة كتاب الله الكريم .
ومن المضحك أن طلاب المدارس يفاجئون عندما يكبروا بأنهم هم وأساتذتهم كانوا
غافلين عن امر الانتحال هذا ، ولقد كنت واحدا من هؤلاء عندما درست في
النصوص المختارة في المرحلة الثانوية قصيدة ابن اخت تابط شرا المذكورة
وحفظتها عن ظهر قلب . وما زلت أذكر بعض ابياتها :
إن بالشعب الذي دون سلع = لقتيلا دمه ما يطلُّ
خلف العبء علي وولى = أنا بالعبء له مستقل
ووراء الثأر مني ابن اختٍ = مصعٌ عقدته ما تحل
مطرق يرشح سما مثلما أطرق أفعى ينفث السم صلُّ .
ولو كنت اعرف وقتها انها لخلف الحمر لأعجبت به ايما إعجاب في قدرته على نحل
الشعر بهذا اليسر .

آراء القدماء في هذه القضية

ابن هشام

تنبه ابن هشام في تهذيبه في السيرة النبوية التي جمعها ابن إسحاق إلى أن
هناك نصوص شعرية كثيرة فابن إسحاق لم يكن عالما بالشعر ولا بروايته إنما
كانت طريقته تقوم على المزاوجة فضمن السيرة شعرا كثيراً بعضه غير صحيح ومنه
فقد تمثل موقف ابن هشام :
- أثبت بعض هذه الأشعار لأنه تأكد له صحتها بسؤال أهل العلم .
- حذف بعض الأبيات من قصائد أخرى فأثبت بعضها لأنه تبين له أن بعض هذه
القصائد قد زيد فيها ووسيلة ابن هشام في ذلك العودة إلى العلماء المتخصصين
في الشعر .
- حذف بعض هذه الأشعار حذفاً كاملاً لأنه ظهر له أنها موضوعة مفتعلة .


ابن سلام

يتمثل موقف بان سلام في قضية
الانتحال فيما يلي :

موقفه النظري

لاحظ ابن سلام أن في الشعر الجاهلي
شعراً موضوعاً مفتعلاً وقد حاول تفسير هذه الظاهرة وردها لسببين :
الأول : تزيد القبائل في شعر شعرائها كما فعلت قبيلة قريش لأنها لاحظت أن
حظها من الشعر قليل إذا قورن بالقبائل الأخرى .
الثاني : تزيد الرواة فقد لاحظ ابن سلام أن كثيراً من الرواة قد حملوا
شعراً مصنوعاً أو أنهم كانوا يصنعون الأشعار وينسبونها إلى شعراء جاهليين
وقد قسم هؤلاء إلى قسمين :
الأول : قسم متخصص برواية الشعر كحماد الراوية الذي قيل عنه أنه وضع شعراً
كثيراً على الشعراء الجاهليين لمعرفته بطرائق الشعراء ومذاهبهم .
الثاني : رواة الأخبار والسيرالذين حملوا شعراً كثيراً مصنوعاً وقد مثل
بهؤلاء : ابن إسحاق ولم يقبل ابن سلام اعتبار ابن سلام إن لم يكن له علم
بالشعر .

موقفه التطبيقي

أما موقفه التطبيقي فقد تمثل في
تراجمه لكثير من الشعراء الذين صنفهم في طبقات فكان يرجع إلى أشعارهم ويصحح
عدد من قصائدهم ويوثقها كما أنه كان يشير إلى وضع أشعار بعض هؤلاء كما فعل
في ترجمته لحسان بن ثابت رضي الله عنه وأمية بن أبي الصلت وبعض أشعار طرفة
بن العبد .