المرأة والعصر

كيف ينظر بعضهم إلى المرأة ؟

من العادات القديمة التي لا تزال سائدة في بعض الأسر , النظر إلى المرأة على أنها سر ينبغي ن يخبأ, وأن اتصالها المعلن بالرجل يزري بقيمته وينزل من مكانته ..
ان على الزوج أن لا يدع أحداً خارج المنزل يأخذ علما عن اسم زوجته, وكذلك الأب , وكذلك الأخ ...فإن فوجىء أحد من هؤلاء بأن اسمها قد تسرب إلى بعض الآذان , شعر أنه قد تحمل من ذلك عاراً و أي عار .
وهو يحرص على أن لا تصحبه في طريق وأن لا تظهر إلى جانبه في ملتقى أو أي مكان عام. فإن ألجئته الضرورة لذلك, حرص على أن لاتتبعه إلا وهي متأخرة عنه. بحيث لا يكتشف أحد خزي سيرها معه أو سيره معها ؟!..
ثم أن أسماره وسهراته , يجب أن تكون مع الرجال , وإنها لنقيصة كبرى أن يجد أنسه وسلواه في الركون إلى مجالس النساء وسخف حديثهن و تفاهة مشكلاتهن !
أما إذا تناهى إلى سمع الزوج او الأب أو الأخ , انها : أي المرأة او الفتاة , قد زلت بها القدم ووقعت تحت طائلة إغراء أو إغواء , فتلك هي الجريمة التي لا يملك أن يشفع فيها كتاب منزل ولا نبي مرسل , ولا أن يقضي فيها من دونهم شرعة او قانون .
إن مصيرها في هذه الحال شيء واحد لا ثاني له , هو القتل , وعلى حد تعبيرهم , هو العار الذي لا يغسله إلا الدم , ونسأل : فما بال أضعاف ذلك من جرائم الزوج أو الأخ أو الأب , لا تحتاج إلى أن تطهر بالدم , بل مالها تفتفر ولا تذكر , ولا يشعر أبطالها بأي خزي أو حتى غضاضة من تحملهم لأوزارها ؟ .. والجواب : أن الرجل رجل , مجبول على طبع المغمرة و إشباع الرغبة والذات , والمرأة مرأة , كتلة عيب وعورات يجب أن تخبأ..؟؟
هذا وصف واقعي لبعض البيوتات التي تخضع لهذه العادات .
و بقطع النظر عن قلة هذه البيوت او كثرتها ,فإن المهمة الضرورية هنا , هي التنديد بها والكشف عن تناقضها مع مبادىء السلام و أخلاقياته , والدعوة إلى مقاومتها .
لم ينزل القرآن ولا صح حديث بان المرأة سر معيب يجب أن يخبأ ,و أن صلتها المعلنة بالرجل يزري به وينقص من مكانته ..بلالذي نزل به القرآن و مارسه رسول الله , يدل على نقيض ذلك .
كان رسول الله ميخرج مع نسائه , ويجمعه بهن طريق واحد . وقد صح انه كان يسير ليلا مع زوجته صفية , فمر بهما رجلان من الأنصار . فلما رأيا النبي فناداهما قائلا: على رسلكما , إنها صفية بنت حيي فقالا : سبحان الله يا رسول الله .
قال :إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم , وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا , او قال شيئا(1).
فلم يتحرج رسول الله من السير مع زوجته , ولم يجد أي غضاضة في التعريف عنها وذكر اسمها .
وقد كان رسول الله يسامر نساءه ويتجاذب أطراف الحديث الذي يعجبهن , وربما طاب لهن أن يتلهين بأحاديث خرافية او أقاصيص للمتعة , فيشترك معهن في الحديث , وربما ذكرهن من هذا القبيل بالكثير. ولم يكن يرى في ركونه إلى ذلك أي منقصة تلحقه . بل كان يرى في ذلك قرابة إلى الله .. وقد وصلنا من ذلك حديث (أم زرع ) الذي قصته عائشة على رسول الله وهو من الطرائف والملح الذي تتناقله النساء في مجالسهن , فقال رسول الله في نهاية الأقصوصة التي ذكرتها له : كنت لك كأبي زرع لأم زرع (2)
وعلى الرغم من حديث رسول الله خيركم خيركم لأهله فإن هذه الثلة من الرجال , يمارسون نقيض هذا الذي اوصى به رسول الله ..! غذا كان احدهم بين أصدقائه ومعارفه أو مع الناس في سوقه, اراهم من وجهه كل بشاشة ولطف , ومن لسانه اعذب الكلمات , ومن نفسه أطيب المعاملة . فإذا عاد إلى داره في المساء , تجهم منه الوجه وكسا نفسه برداء الهيبة , وحبس حديثه في نطاق الجد , ولم يتكلم إلا بمقدار ..وغني لأعلم ان من النساء من تشتهي قدوم رجلها عليها في البيت , كي يانسن بما قد حرمن منه من مباسطة أزواجهن لهن والخوض معهن في الأحاديث الممتعة , ولو من وراء حاجز . ولو جاءت هذه المباسطة مع غيرهن !؟؟
ولكم تسائلت في نفسي : الأخلاق الحميدة واحدة , فلماذا قضى رسول الله بان تكون ممارستها في الخارج مع الأصدقاء وعامة الناس ؟..
ولقد بحمد اله إلى الحكمة : إن ممارسة الرجل للأخلاق الفاضلة خارج المنزل مع الناس , تأتي بدوافع مختلفة شتى , من أبرزها تحقيق المصالح الدنيوية وراء ذلك , وهمها ان ينسج لنفسه بين الناس سمعة طيبة , وأن يغرس في نفوسهم أنه من أصدق الناس قولا و أبشهم وجها , وألطفهم معاملة .. وبذلك يمهد لتحقيق آماله الاجتماعية المتنوعة , ومن أخفاها و أضعفها البحث عن مرضاة الله .
اما في داخل الدار , حيث يخلو وجه لارجل مع زوجته , فإن المطامع التي كانت تدعوه على أن يتجمل في حديثه ومن يلاطف في معاملته تختفي هنا نهائيا , ولا يبقى إلا أن يبتغي مرضاة الله .
فمن هنا كان لطف الرجل مع اهله في المعاملة , داخل الدار , مقياسا دقيقا في الدلالة على صدقه وعدم نفاقه , غذا لا فائدة من النفاق هنا , إلا في الحالات النادرة جداً...
اما الانزلاق إلى الأخطاء وارتكاب المحرمات أيا كانت , فإن شرعة الإسلام تقضي بأن وزر المراة فبما قد ترتكبه من الأخطاء كوزر الرجل تماماً . فليس لخطيئة المراة في ميزان الله تعالى إلا الخطورة ذاتها التي تبدو في خطيئة الرجل , ما دامت هوية الخطيئتين واحدة .
إن رسول الله يوم قال كل بني آدم خطاء و خير الخطائون التوابون لم يكن يعني التوابين الرجال من دون النساء . وما صيغة الجمع المذكر هنا إلا للتغليب .
فكما ان خطيئة بل خطيئات الرجل تكفرها التوبة الصادقة و فكذلك خطيئات المرأة تماما .
والرجل الذي يخترق توبة زوجته اوابنته . فيقتلها غير ىبه بتوبتها . متلبس عند الله بشر من جريمتها , ويستحق القتل قصاصا في دين الله وحكمه .
و إن عجبي لا ينتهي من ان تعمد اسرة إلى فتاة فيها , قيل غنها أغوت وارتكبت الفاحشة , فلم تجد ما تعالج به انحرافها إلا السم الناقع دسه الأبوان او الأب في طعامها . فاكلته جاهلة على مرآة منهما, ثم راحت تتلوى وتصيح على مقربة منهما , ثم قضت نحبها وأسلمت روحها تحت أبصارهما . أما شقيقها الذي ارتكب سلسة من الموبقات على علم منهما . فقد فوجىء الأبوان منه ببشارة كبرى يوم جاء يعلن لهما عن توبته , و انطلقا في تدليله و التحبب إليه , وكانت الجائزة الكبرى التي استحقها منهما ان زوجاه من فتاة جميلة حصان تليق بملائكتيه وسمو أخلاقه!!؟
غدا ..سيسأل الله هذا الوالد وأمثاله : مالذي حجب حق التوبة عن البنت التي عادت مصطلحة مع الله , في حين أن هذا الحق راى طريقه متعبدا إلى أخيها الشاب ؟ بأي سلطان امتلك هذا الوالد حق التلاعب بقوله تعالى :أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه(3). فجعلها للشباب دون البنات .
إن الذين يتحدثون عن حقوق المراة و يغارون ويظهرون الغيرة على كرامتها وحقوقها .ان يتبرموا و يضيقوا ذرعا من هذه العادات الجاهلية الآسنة , وإن لهم بل عليهم أن يقاوموها جهد استطاعتهم .
و لكن ليس لهم قط ان يحملوا الإسلام أعباء هذه العادات الباطلة , أوان يربطوا بينها وبينه بأي علاقة وهمية مصطنعة . بل عليهم أن يحاربوا هذه العادات من حيث يغارون على الإسلام أن يصيبه شيء من رشاشتها .